حين لا يكفيك الوصول

بقلم/محمد القبيسي

لطالما ظننا أن تحقيق الأحلام هو مفتاح السعادة، وأن الوصول إلى أهدافنا سيمنحنا شعوراً دائماً بالرضا والاكتمال، لكن الغريب أن كثيرين، بعد أن يصلوا إلى ما كانوا يطمحون إليه، يجدون أنفسهم في حالة من الفراغ، لماذا يحدث ذلك؟ لماذا، بعد كل الجهد والسعي، لا تكون السعادة التي تصورناها بنفس الحجم الذي توقعناه؟
حين نكون في طريقنا نحو تحقيق هدف ما، نشعر بالحماس والشغف، ونستيقظ كل يوم بدافع قوي للعمل والإنجاز، التحديات التي تواجهنا تجعلنا أكثر إصراراً، وكل خطوة تقربنا أكثر مما نريد، لكن بمجرد أن نصل، يحدث شيء غير متوقع… كأن ذلك الحماس يختفي فجأة، يتلاشى الشعور بالإنجاز بسرعة، ونبدأ في التساؤل ماذا بعد؟
ربما المشكلة ليست في الهدف نفسه، بل في التوقعات التي رسمناها حوله، نحن نعتقد أن تحقيق النجاح سيغير حياتنا بالكامل، سيجعلنا أكثر سعادة، سيملأ كل الفراغات التي نشعر بها، لكن الواقع مختلف فالإنجاز لا يمحو التحديات الأخرى، ولا يمنحنا راحة أبدية، بل على العكس، قد نجد أنفسنا أمام أسئلة جديدة لم نكن مستعدين لها، وكأن الوصول إلى القمة ليس سوى بداية لتحدٍ آخر.

جزء من هذا الشعور يعود إلى أننا نربط هويتنا بالكامل بالهدف، نقضي سنوات نعمل على تحقيقه، فيصبح جزءاً منّا، وحين نصل إليه، نشعر وكأننا فقدنا شيئاً مهماً، هذا هو السبب الذي يجعل بعض الأشخاص يعيشون حالة من الضياع، بعد تحقيق إنجاز كبير، لأنهم لم يستعدوا لما بعد النجاح.

الإنسان بطبيعته مخلوق يبحث عن التحديات، حين ينتهي من تحقيق هدف، يبدأ عقله تلقائياً في البحث عن هدف آخر، وهذا أمر صحي، لأنه يعني أننا في تطور مستمر، لكن إذا لم ندرك هذه الحقيقة مسبقاً، قد نعيش في دوامة من عدم الرضا، نبحث عن شيء جديد دون أن نستمتع بما أنجزناه.
ربما علينا أن نغير منظورنا للنجاح، أن ندرك أن السعادة ليست في الوصول، بل في الرحلة ذاتها، في التعلم، في التطور، في الأشخاص الذين نلتقيهم على الطريق، في اللحظات الصغيرة التي تشكل تجربتنا، القمة ليست النهاية، بل مجرد محطة، والناجحون الحقيقيون لا يتوقفون عند إنجاز واحد، بل يستمرون في النمو والتجربة، لأنهم يفهمون أن الحياة ليست سباقاً ينتهي عند نقطة معينة، بل سلسلة من المحطات التي تفتح أبواباً جديدة.
لهذا، عندما تحقق هدفك القادم، لا تعتبره النهاية، بل بداية جديدة، استمتع بالرحلة، قدر ما تعلمته خلالها، وكن مستعداً دائماً لما هو قادم، فالطموح لا يتوقف، بل يكبر معنا… ومع كل قمة نصل إليها، تبدأ رحلة جديدة نحو قمة أخرى.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى