كلماتنا تشكَل واقعنا

بقلم/باسمة يونس

لطالما كانت اللغة أداة فعالة في تشكيل إدراك الإنسان للعالم من حوله وللكلمات قوة في تشكيل وعينا وسلوكنا وتأثيرها يصل للمشاعر وللقلب قبل السمع والعقل لأنها ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل عدسات ننظر من خلالها إلى الحياة فتؤثر في أفكارنا ومشاعرنا وسلوكنا.

ولربما يكون تغيير بسيط في المسمى هو المفتاح لتغيير كبير في حياتنا، فالمسميات تحدد تصوراتنا عن المفاهيم المختلفة، بحيث يصبح الاسم أكثر من مجرد تعريف، بل توجيه نفسي وإطار ذهني يحدد طريقة تعاملنا مع الأشياء وبرمجة نفسية مسبقة لما سنصبح عليه.
لقد ألقت المسميات بظلالها على تجربة الإنسان لتجعلها أفضل أو أكثر صعوبة مما هي عليه في الواقع، فمثلاً إطلاق تسمية «أزمة منتصف العمر» على ما يفعله أي شخص وصل إلى سن الأربعين أو الخمسين ترسخ في الأذهان فكرة الانحدار والسقوط في مرحلة انهيار أو تراجع، ومثلها في ذلك مسميات أخرى مثل «البطالة»، «سن اليأس»، «سن التقاعد» والتي تعكس جميعها شعوراً سلبياً وتذكر من يسمعها بانتهاء العطاء والدخول في مرحلة الخمول والعجز والدونية.
إن تغيير المسميات لا يقتصر فقط على تجنب المصطلحات السلبية، بل يمكنه أيضاً توجيه وعينا نحو رؤية أكثر إشراقاً وإيجابية، ومن أجل استبدال المصطلحات السلبية بمفاهيم إيجابية علينا أن نسأل أنفسنا قبل أي مسمى: هل يعكس حقيقة التجربة أم يسدل عليها أقنعة سلبية تحرمها من نور التفاؤل وتصيبنا بالإحباط واليأس؟ فهل يوجد فشل في الحياة أم أن هناك محاولات لم تنجح بعد، وهل توجد مشكلات صعبة ليس لها حل، أم أنها تحديات توحي بأن هناك فرصة لتطوير الذات والتغلب على الصعوبات والمسؤوليات، هل هي أعباء، أم فرص لإثبات الذات وبناء النجاحات؟

وماذا لو أعدنا تسمية المراحل لتصبح: (أزمة منتصف العمر، هي مرحلة النضج والتطلع للتغيير)، أي إنها فرصة لإعادة اكتشاف الذات بدلاً من اعتبارها أزمة، و«مرحلة التقاعد» تصبح «مرحلة الإنجاز الشخصي وتحقيق الأحلام المؤجلة». و«البطالة» تصبح «مرحلة البحث عن فرصة» لنعكس الجوانب الإيجابية من هذه المراحل بدلاً من وصفها بالنهايات السيئة والمؤلمة؟

ولم لا ننشر مزيداً من الوعي عن تأثير الكلمات وثقافة التسمية الإيجابية والتحدث مع أنفسنا أو مع الآخرين بمزيد من المصطلحات الإيجابية والتشجيع على التفكير المتفائل فهي ليست مجرد تعابير محايدة، بل تحمل دلالات نفسية عميقة تؤثر في سلوكنا ومشاعرنا وتساعدنا على التغيير للأفضل.
المسميات في نهاية الأمر ليست مجرد كلمات، بل هي أدوات تؤثر في وعينا وتحدد كيفية تعاملنا مع مختلف جوانب الحياة وإذا غيرنا المصطلحات التي نستخدمها يمكننا تغيير نظرتنا للحياة وتحويل الأزمات إلى فرص والفشل إلى خطوات نحو النجاح والتحديات إلى محطات للنمو.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى