استخدم حاسة التأمل

بقلم/شيماء المرزوقي

أتذكر قبل مدة من الزمن، هطلت زخات خفيفة من المطر، كان وقعها على الأرض جميلاً، وما كانت تحدثه من صوت كان أكثر جمالاً، صوت لا يمكن لأي آلة موسيقية أن تبلغ مستوى الإبداع الذي تضمنته تلك الزخات الخفيفة وهي تقع على الأرض، بل مشاهدة هذا الاندماج بين حبات المطر والأرض وهي تستقبلها، وكأنها تفتح لها الأذرع، وترحب بها بشدة، كانت لحظات ملهمة وجميلة، تبقى الكلمات في وصفها عاجزة، ليكون المشهد وتأثيره البالغ في داخل النفس، هو الأهم، وتصبح معها الكلمات دون روح، وغير قادرة على نقل الصورة والمشهد، بكل ألوانه وأصواته إن حياتنا محملة بالانشغال، وأوقاتنا مشحونة بالمهام التي لا تنتهي، ومع ضغوط الحياة التي نعانيها جميعنا لا ننتبه للكثير من الأحداث والمفارقات الجميلة التي تحدث من حولنا، وكأننا نفوت على أنفسنا رؤية أشكال غير مألوفة وجمال يمر بسرعة دون أن ننتبه له. مثل تلك المشاهد للطبيعة وفهمها، تمنحنا السلام الداخلي الذي نحتاجه مع كل هذا الضجيج والعمل المستمر، مشاهدات دورة الحياة، وكيف تنبع أعظم المؤثرات على كرتنا الأرضية من حركات محسوبة بدقة وصغيرة جداً، ولكنها تحدث فرقاً كبيراً وجوهرياً، والمطلوب أن نتنبه، وأن تكون حاسة التأمل لدينا قوية، بل تدريبها لتكون مستعدة دائماً للخروج من حالات التكرار والعمل المستمر، والابتعاد عن الضغوط وتجاوز لحظات الإرهاق والتعب.
هناك كثير من الأشياء الصغيرة التي تقع من حولنا، ومع صغرها إلا أن وقعها مدو وبالغ التأثير، هي جميلة، مفيدة، وتمنحنا السعادة وتغذينا بالأمل، وتروي عروقنا بالهدوء الذي نحن في أمسّ الحاجة إليه، إن رؤية ضوء الشمس وهو يشرق ويغطي المكان، ويتغلب على ظلمة الليل، ورؤية كيف تتفاعل معه الحيوانات بل حتى الحشرات الصغيرة، وكيف تستيقظ الأرض، لترحب بالشمس، وكأنها دورة جديدة في الحياة، تأمل تلك اللحظات من الجوانب المفيدة للروح، المفيدة للقلب، والأذهان المتعبة المرهقة.

نعم الحياة ليست سهلة، ونعم نعاني فيها بعض الصعوبات، ونتعثر في خطواتنا، ونصادف بعض الفشل والإخفاقات، لكنها تضم أيضاً في جنباتها الكثير من اللحظات الجميلة، التي تحتاج للتأمل، والتوقف معها، وفهم مسيرتها وطريقة عملها، وفائدتها لنا جميعاً، وبمثل تلك الوقفات، نعيد التركيز، ونشحن الذهن، ونرفع الروح المعنوية، لنعاود الانطلاق نحو ميادين العمل والإنتاج، ونحن أكثر ثقة وسعادة وتفهماً لكل العقبات والصعوبات.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى