الجيرة.. علاقات تلاشت أم تطورت؟

بقلم /شيماء المرزوقي

في الماضي كانت علاقة الجيران أشبه بروابط عائلية ممتدة، حيث كان باب المنزل مفتوحاً دائماً، وصوت التحية الصباحية عادة يومية، والمساعدة المتبادلة أمر بديهي لا يحتاج إلى طلب. كان الجار جزءاً أساسياً من الحياة الاجتماعية، يعرف أدق تفاصيل جيرانه، يشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ويقف بجانبهم في الأوقات الصعبة. لكن مع مرور الزمن وتغير نمط الحياة، أصبحت العلاقة بين الجيران تأخذ أشكالاً مختلفة، بعضها لا يزال يحمل طابع الود، بينما البعض الآخر أصبح مجرد تعايش صامت خلف الأبواب المغلقة.

التقنية‏ والتحضر لعبا دوراً رئيسياً في إعادة تشكيل مفهوم الجيرة. اليوم، وفي عصر التقنيات الحديثة، والانشغال الدائم، أصبح كثيرون يفضلون قضاء وقتهم في العوالم الافتراضية بدلاً من التفاعل مع من يسكن بجوارهم. لم تعد اللقاءات العفوية تحدث كما في السابق، حيث أصبحت الأحاديث تجري عبر الرسائل النصية أكثر مما تجري وجهاً لوجه، حتى المواقف البسيطة، كطلب القليل من السكر أو استعارة أداة منزلية، تراجعت بشكل كبير، فكل شيء أصبح متاحاً بلمسة زر، ما قلل الحاجة إلى التفاعل الشخصي.

لكن هل يعني هذا أن العلاقات بين الجيران تلاشت تماماً؟ ليس بالضرورة، رغم أن الألفة القديمة قد تقلصت، إلا أن نوعاً جديداً من العلاقات بدأ في الظهور، يعتمد على الاحترام المتبادل والمساحات الشخصية، مع وجود مساحات جديدة للتواصل، مثل مجموعات الأحياء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تسهل تبادل المعلومات وتقديم المساعدة عند الحاجة، ففي بعض الأحيان قد لا يعرف الشخص اسم جاره، لكنه مستعد لتقديم العون له في حال حدوث طارئ أو ظرف استثنائي.

هناك أيضاً أحياء ومجتمعات تحاول إعادة إحياء مفهوم الجيرة التقليدية من خلال مبادرات اجتماعية، مثل اللقاءات المجتمعية، والأنشطة التطوعية، والمهرجانات المحلية، التي تعيد بناء جسور التواصل بين السكان، فالناس بطبيعتهم اجتماعيون، يحتاجون إلى روابط حقيقية، حتى وإن تغيرت طرق تكوينها.

العلاقة بين الجيران في العصر الحديث ليست بالضرورة أضعف، لكنها مختلفة، لا يزال الجار هو الشخص الذي يمكن أن تعتمد عليه في الأوقات الحرجة، قد يكون العالم اليوم أكثر انشغالاً، لكن الحاجة إلى التواصل الإنساني لا تزال قائمة، ربما يكون الحل في إيجاد توازن بين احترام الخصوصية، وبناء روابط إنسانية بسيطة تذكّرنا بأن الجيرة ليست مجرد مسافة بين البيوت، بل علاقة يمكن أن تمنح الحياة بعداً أكثر دفئاً وأماناً.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى