أثار تحوّل مركز الاحتجاجات الشعبية في مناطق سيطرة السلطة الشرعية اليمنية على سوء الأوضاع المعيشية وتردي الخدمات العمومية إلى محافظة تعز بجنوب غرب البلاد حالة من الاستنفار في صفوف حزب التجمّع اليمني للإصلاح ، كون المحافظة الأكثر سكانا في اليمن تمثّل أحد المعاقل الرئيسية للجماعة وأكبر خزاناتها البشرية في البلاد.
وكان الحزب الممثل بقوة داخل الشرعية اليمنية والمسيطر عمليا على محافظة مأرب شرقي العاصمة صنعاء وذو السطوة الأمنية الكبيرة في محافظة تعز، قد اتخّذ من الأزمة المالية والاجتماعية الخانقة وحالة شبه الانهيار التي شهدتها الخدمات العمومية خصوصا في مدينة عدن وسيلة للدعاية المضادة للمجلس الانتقالي الجنوبي وأداة للمزايدة عليه باستخدام الأذرع الإعلامية القوية للإخوان والتي خصصت تغطيات منتظمة وشاملة للأزمة وللاحتجاجات الشعبية التي اندلعت بسببها، فيما ذهبت بعض المصادر إلى حدّ اتهام الحزب نفسه باستخدام أموال النفط والغاز في مأرب لتأجيجها وتوسيع نطاقها.
وتداولت وسائل إعلام محلية خلال الأيام الماضية ما قالت إنّه معلومات منقولة عن مصادر سياسية وأمنية بشأن رصد أجهزة الأمن في عدن عملية تحويل مبلغ مالي كبير من الشركة اليمنية للغاز في مأرب بـ”غرض تمويل مخربين” أثناء تظاهرات واحتجاجات جرت في عدن.
واختلف الوضع بالنسبة لحزب الاصلاح عندما انتقلت شرارة الاحتجاجات إلى مدينة تعز وبدأت الدعوات إلى الإضرابات والاعتصامات تتوالى من قبل جهات شعبية وأطراف نقابية تنديدا بموجة الغلاء وانهيار القدرة الشرائية للسكان واضطراب صرف رواتب الموظفين وندرة المواد الأساسية وخصوصا مادة الغاز.
وجاءت ندرة الغاز المنزلي والارتفاع الجنوني في أسعاره لتساهم في رفع منسوب الغضب الشعبي المتفاعل في تعز منذ عدّة أشهر.
وأحدثت تلك الأزمة وقعا خاصا مع اقتراب شهر رمضان، وتوسّعت تأثيراتها السلبية لتشمل حركة النقل بعد اضطرار العديد من أصحاب المركبات العاملة بالغاز وسائقيها إلى التوقف عن العمل بسبب عدم قدرتهم على توفير الوقود اللازم لتشغيلها، كما أدت إلى تباطؤ ملحوظ في حركة التنقل وفي الحركة التجارية عموما.
ولم يتردّد حزب الإصلاح في استخدام نفوذه داخل السلطة المحلية في تعز والتي يقودها المحافظ نبيل شمسان وتوظيف ذراعه القوية هناك ممثلة باللجنة الأمنية التي لم تتردّد في التلويح بعصا “القانون” في وجه الداعين للتظاهرات الاحتجاجية ومنظميها والمشاركين فيها.
وأصدرت اللجنة المذكورة بيانا شديد اللهجة قالت فيه “انطلاقا من مسؤوليتنا الوطنية تجاه حماية الأمن والنظام العام، والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، وضمان الحقوق والحريات، نود التأكيد على أهمية تطبيق القانون في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها المحافظة.”
واستنجدت اللجنة بقانون متعلق بالتظاهر في الفضاءات العمومية يعود إلى فترة حكم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح الذي تقول جماعة الإخوان في اليمن إنّ ثورة شعبية اندلعت ضدّه متهمة نظامه باستخدام القانون نفسه خلال أحداث تلك “الثورة” التي انطلقت في فبراير 2011 ضد المشاركين في التظاهرات التي كانت تعز آنذاك مركزا رئيسيا لها.
ومما ورد في البيان ذاته “استنادا إلى قرار اللجنة الأمنية بالمحافظة بشأن تنفيذ قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات رقم (29) لسنة 2003، نلفت انتباه جميع المواطنين والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والمكونات المجتمعية إلى ضرورة الالتزام بالمادتين 4 و5 من هذا القانون. حيث تنص الفقرة ‘أ’ من المادة 4 على أنّه يجب على كل من أراد تنظيم مظاهرة أو مسيرة تشكيل لجنة تقوم بتقديم بلاغ إلى الجهة المختصة قبل وقت لا يقل عن ثلاثة أيام من تاريخ بدء المظاهرة أو المسيرة على أن يكون البلاغ مكتوبا ومحددا فيه تاريخ وتوقيت بدء المظاهرة أو المسيرة ومكان تجمعها وانطلاقها وخط سيرها وإنهائها، وذكر أهدافها وأسبابها وإرفاق الشعارات التي سترفع خلالها، على سبيل الإحاطة والعلم وأن يكون البلاغ موقّعا عليه من اللجنة وموضحا فيه أسماء رئيس وأعضاء اللجنة ومهنهم وعناوينهم. وفي حالة أن تكون الجهة الداعية حزبا سياسيا أو منظمة جماهيرية أو نقابة مهنية فيجب أن يكون البلاغ موقّعا عليه من الممثل القانوني للحزب أو المنظمة أو النقابة وممهورا بختمها بالإضافة إلى أسماء وتوقيعات اللجنة، وللجهة المختصة التحقق من صحة ما جاء في البلاغ المقدم إليها.”
ولم يخل البيان من تهديد تجلّى في قول اللجنة “نؤكد أن الإدارة العامة للشرطة هي الجهة المسؤولة عن تطبيق هذا القانون وأي تجاوز أو مخالفة له ستخضع للإجراءات القانونية اللازمة. ولذلك ندعو جميع الإخوة المواطنين والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والمكونات المجتمعية إلى الالتزام بما ورد في القانون المشار إليه، وإن أي مخالفة أو تجاوز للقانون سيتم التعامل معهما بحسب ما ورد في القانون، ونحمّل الجهات المنظمة كامل المسؤولية.”