شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، الثلاثاء، تظاهرة شعبية عكست حالة الغضب المتصاعد في مناطق الشرعية بسبب التدهور الشديد في الأوضاع المعيشية وتراجع مستوى الخدمات وعجز الحكومة المعترف بها دوليا عن توفير الحاجيات الأساسية لسكان تلك المناطق بما في ذلك دفع رواتبهم بشكل منتظم. وكان العامل اللافت في تلك التظاهرات دعمها من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي الشريك الرئيسي للشرعية والمُمَثّل داخل مجلس القيادة الرئاسي والمشارك في الحكومة بعدد من الوزراء والمسؤولين.
ومثّل ذلك الدعم مؤشرا على تجاوز تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي تواجهها السلطة اليمنية للجانب الاجتماعي إلى الوضع السياسي، حيث أظهر هشاشة الشراكة بين الانتقالي الذي يحمل مشروعا يقوم على تأسيس دولة الجنوب المستقلّة وباقي مكونات معسكر الشرعية، واستعداد المجلس للقفز من مركب ذلك المعسكر لعدم رغبته في تقاسم تبعات الوضع المعقّد معه، وخصوصا تأثيرات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على مزاج الشارع المعبّر عن غضب متزايد من طريقة حكومة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك في إدارتها للمناطق الخارجة عن سيطرة جماعة الحوثي.
ويتركّز نفوذ المجلس الانتقالي في مناطق الجنوب حيث يحرص على حماية شعبيته في تلك المناطق التي يريد أن يؤسس على أرضها الدولة المنشودة. وخرجت الثلاثاء أعداد من السكان إلى شوارع عدن منددة باستمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتردي الخدمات الأساسية.
ورفع المتظاهرون في ساحة العروض بمديرية خور مكسر لافتات تطالب بإجراء تغيير جذري في الوضع المعيشي القائم وتحسين الأوضاع الاقتصادية والخدمية. وردد المتظاهرون هتافات “رواتبنا خطوط حمراء” و”لا حكومة بعد اليوم”. وخلال الأشهر الأخيرة أصبح عدم انتظام الحكومة في دفع الرواتب والانقطاعات المتكررة والطويلة للكهرباء في عدن وعدد من المدن الأخرى أبرز عنوانين للأزمة الحادة التي تواجهها الحكومة اليمنية.
وزاد التهاوي القياسي في قيمة الريال اليمني، الذي سُجّل مطلع هذا الأسبوع، في تعميق الأزمة وكرّس العجز الحكومي عن تطويق تداعياتها. وانحدرت قيمة الريال اليمني في مناطق السلطة الشرعية اليمنية إلى مستوى غير مسبوق ببلوغها 2150 ريالا مقابل الدولار الواحد، بينما وصل سعر الريال السعودي إلى نحو 565 ريالا.
وأرجعت الدوائر الاقتصادية والمالية هذا التراجع إلى عدم وفرة النقد الأجنبي في أسواق الصرافة وعدم تدخل السلطات الحكومية لاجتراح حلول لذلك. وعُد هذا أكبر تراجع للريال اليمني في تاريخه بعد أن كان سعر الدولار الواحد قرابة 1000 ريال حينما تم تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022.
وأدى تدهور العملة المحلية إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار مختلف المواد الأساسية في البلد الذي يعاني معظم سكانه من الفقر والبطالة جراء الحرب المستمرة بين القوات الحكومية والحوثيين منذ نحو عشر سنوات. ويعاني الاقتصاد اليمني تحديات غير مسبوقة وعجزا في الموازنة وشحا كبيرا في العملات الأجنبية جراء استمرار توقف تصدير النفط منذ حوالي عامين ونصف العام بسبب استهداف جماعة الحوثي لمنافذ تصديره عبر البحر.
ويلقي الوضع الاقتصادي والمالي بتبعاته المباشرة على الوضع الاجتماعي وحتى السياسي، حيث تشهد ثقة السكان بالسلطة الشرعية تراجعا حادا تجسّده موجة الاحتجاجات التي بدأت تطل برأسها. واشتكى المشاركون في مظاهرة الثلاثاء من الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية وانقطاع الكهرباء والمياه، ما أدى إلى تدهور أوضاعهم المعيشية بشكل كبير.
وطالب المتظاهرون بـ”محاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة،” معتبرين ذلك “سببا رئيسيا في تدهور الأوضاع الاقتصادية.” وأكدوا في بيان ضرورة استعادة الحقوق والثروات الوطنية المنهوبة، وإعادة هيكلة الرواتب، متعهدين بمواصلة التصعيد السلمي حتى تحقيق المطالب.
وحمل المتظاهرون مجلس القيادة الرئاسي اليمني مسؤولية التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد، وطالبوا بأن يكون على قدر من المسؤولية الوطنية وأن “يتحمل تبعات فشله أمام الشعب.” وحذر المتظاهرون الحكومة الشرعية من استمرار تجاهل مطالبهم واحتياجاتهم المعيشية، واعتبروا أن ذلك “يعكس استهتارها بمعاناة الناس.”
ودعوا التحالف بقيادة السعودية والمجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف جاد لدعم حقوق شعب الجنوب، وضمان حقه في حياة كريمة وإنقاذه من الفساد المستشري وتردي الخدمات. وكانت المملكة قد بذلت جهودا لتغيير الوضع في مناطق الشرعية اليمنية حفاظا على تماسك الأخيرة وذلك من خلال تخصيصها مساعدات مالية، تمثّل آخرها في مبلغ تجاوز نصف مليار دولار، توزع بين وديعة بالبنك المركزي اليمني وهبة مباشرة لحكومة بن مبارك.
لكن المساعدات رغم أهمية المبالغ المخصصة لها لم تحدث تأثيرا يذكر؛ فقد كانت توجه نحو دفع الرواتب والاستخدام كموازنة تشغيلية لعمل الحكومة وأجهزتها بعيدا عن أي محاولة للاستثمار وخلق الثروة، فضلا عن اتهام الحكومة بسوء التصرف وهدر المال العام.