تعويضات حوادث الطيران.. من يحددها؟ ومن يدفعها؟

مع كل حادثة طيران، يدور الحديث دائما عن التعويضات التي يجب أن تدفع لأهالي الضحايا، وكيفية تقدير هذه المبالغ، والجهة المسؤولة عن ذلك، وعما إذا كان الأمر يختلف عند وقوع حادثة نتيجة عطل فني، أو إهمال، أو نتيجة عمل إرهابي.

واللافت أنه رغم مرور نحو ثلاثة عقود على حادثة إسقاط طائرة الركاب الأميركية فوق لوكربي، في عام 1988، لاتزال القضية منظورة أمام القضاء الأميركي، رغم أن النظام الليبي السابق قد أقر بالمسؤولية عنها وصرف قيمة التعويضات التي بلغت نحو ملياري دولار لأهالي الضحايا.

وخلال فترة زمنية قصيرة، شهد العالم مؤخرا حادثتي طيران، الأولى لشركة الخطوط الأذربيجانية، التي ألمحت موسكو إلى سقوطها بفعل صاروخ أطلقته، وكذلك رحلة طائرة بوينغ 737-800، التي كانت في طريقها من بانكوك إلى مطار موان الدولي في كوريا الجنوبية، ثم اصطدمت بشكل مريب في جدار على مسافة قصيرة من مدرج الطيران عند هبوطها.

ولم تمر ساعات على الحادثة الأخيرة، حتى أعلنت السلطات أن مبلغ التعويضات الإجمالي سيبلغ مليار دولار (حوالي 1.472 تريليون وون).

وتتخذ السلطات المالية الإجراءات اللازمة لضمان قيام خمس شركات تأمين بتقديم التعويضات سريعا لأسر الضحايا المتوفين ودفع النفقات الطبية للمصابين بسرعة.

وتنظم مسائل تعويضات الرحلات الدولية اتفاقيتان وقعت عليها العديد من دول العالم، هما اتفاقية وارسو، واتفاقية مونتريال، والأولى تحدد التعويضات المتاحة بنحو 25 ألف دولار للراكب.

أما اتفاقية مونتريال التي وقعتها الدول الأعضاء في منظمة الطيران المدني الدولي في عام 1999 فقد أنشأت لتحديث مبلغ التعويضات والقواعد السابقة في اتفاقية وارسو.

ولتحديد مبلغ التعويضات، يستخدم مصطلح “حقوق السحب الخاصة” وهي صيغة للقياس يستخدمها صندوق النقد الدولي.

ووفق منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) التابعة للأمم المتحدة، فإن الوحدة تساوي 1333 دولارا.

ويفترض أنه بدءا من 28 ديسمبر الجاري أن يرتفع الحد الأقصى للتعويضات عند الوفاة أو الإصابة الجسدية من 128,821 وحدة حقوق سحب خاصة إلى 151,880 وحدة حقوق سحب خاصة (أي حوالي 202,500 دولار أميركي)، وفق المنظمة الدولية.

وكان الحد الأقصى في الأصل 100,000 وحدة حقوق سحب خاصة في عام 2003.

وسيرتفع حد تأخير الرحلات من 5.346 وحدة حقوق سحب خاصة إلى 6.303 وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 8.400 دولار ) و(كان في الأصل 4.150 وحدة حقوق سحب خاصة في عام 2003).

وقد تكون عملية التعويض عن حادث طيران معقدة، وتختلف حسب البلد الذي وقع فيه الحادث، وموقع شركة الطيران، والبلد الذي يتم فيه المطالبة بالتعويض.

وفي مثال عملي على تنفيذ هذه الاتفاقية، أمرت محكمة الاستئناف البحرينية شركة طيران بدفع مبلغ 2132 دينارا لثلاثة ركاب، بسب تأجيل الشركة الرحلة يوما واحدا. واستندت الشركة إلى أن الاتفاقية وضعت تعويضا هو 4150 وحدة وهو ما يساوي 2132 دينارا.

وتطبق هذه الاتفاقية فقط على الرحلات الدولية، أما الرحلات الداخلية فتخضع لقوانين الدول والنظم القضائية فيها، والاتفاقيات الثنائية والإقليمة وعوامل أخرى.

وتمنح المحاكم الأميركية تعويضات كبيرة للوفيات والإصابات الناتجة عن مثل هذه الحوادث، وفي بعض التقديرات ربما تكون الأعلى في العالم. وتشير بعض التقديرات إلى أن متوسط التعويض عن الوفيات في حوادث الطيران في الولايات المتحدة هو 5.2 مليون دولار للراكب.

ويرجع هذا إلى زيادة فرص التقاضي في الولايات المتحدة مقارنة بدول أخرى، فضلا عن تمتعها بنظام محلفين قوي، والثقافة السائدة أن قيمة الحياة لا تقدر بأي مال.

وتطبق اتفاقية مونتريال على شركات الطيران فقط، وتختلف القواعد القانونية للأطراف الأخرى، مثل الشركة المصنعة للطائرات. وقد يتداخل القانون المحلي والوولي.

وفي الولايات المتحدة، تنظم إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) معايير السلامة، وهو ما يشمل سوك الطيارين ومعايير تصنيع الطائرات. ويحقق مجلس سلامة النقل الوطني (NTSB) في الحوادث الجوية، ويوصي بمعايير السلامة لمنع مثل هذه الحوادث مستقبلا.

وقد يؤدي الفشل في تلبية المعايير التنظيمية والصناعية إلى وضع شركة الطيران أو الشركة المصنعة للطائرات أو موردي الصيانة أو الطيارين أو الحكومة نفسها أمام مسؤولية قانونية.

ومن الأمثلة على ذلك أن شركة بوينغ صرفت تعويضا مبدئيا قدره 160 مليون دولار لشركة ألاسكا بعد تحطم باب طائرة بوينغ ماكس 737 كانت تشغلها. وغطت الدفعة الإيرادات المفقودة وتكلفة إعادة أسطولها من هذا النوع من الطائرات إلى الخدمة بعد توقفها ثلاثة أسابيع.

ومن الأمثلة البارزة أيضا على الأعطال تحطم طائرة خطوط الطيران “دي دبليو إيه ” بوينغ 747-100 في 17 يوليو 1997، عندما انفجرت فوق المحيط الأطلسي في طريقها من نيويورك إلى روما. وكانت التحقيقات في البداية رجحت انفجارها جراء صاروخ، ثم تبين لاحقا الطائرة أن سبب الحادث هو خلل في نظام الوقود المركزي.

ومن الأمثلة الأكثر حداثة رحلة الخطوط الجوية الإثيوبية رقم 302، في 2019 التي كانت في طريقها من مطار أديس أبابا إلى مطار جومو كينياتا في نيروبي، وسقطت بسبب نظام التحكم الطائرة.

وقد رفع الركاب دعاوى قضائية ضد شركة الطيران في كل هذه الحالات على الرغم من أن شركة الطيران نفسها لم تكن مسؤولة عن الحادث.

لكن هناك حوادث أخرى تحدث بشكل متعمد بسبب عمل إرهابي.

ويمكن للعائلات مقاضاة شركة طيران إذا قُتل أحد أفرادها في هجوم إرهابي. ورغم أن الشركة قد لا تكون مسؤولة، ويختار أهالي الضحايا هذا المسار ليس من أجل المال فقط ولكن لكشف الحقيقة.

ومكان وقوع حادث تحطم الطائرة وكذلك موقع الشركة والأشخاص الذين ساهموا في الحادث يؤثر بشكل كبير على المكان الذي يمكن فيه مطالبة التعويضات.

ولكل دولة قانون مختلف بشأن المسؤولية ونظام التقاضي وحساب الخسائر، وتستند شركات التأمين على عوامل مختلفة لتحديد قيمة المدفوعات.

الحوادث الأشهر في الذاكرة الأميركية هي اختطاف 4 طائرات في الحادي عشر من سبتمبر 2001، مما أسفر عن مقتل 2977 شخصا.

في ذلك الوقت، تم إنشاء ما يعرف باسم “صندوق تعويض ضحايا الحادي عشر من سبتمبر”، وهو صندوق تمويل حكومي خرج إلى النور بقانون من الكونغرس، صدر بعد وقت قصير من الهجمات.

وكان الغرض من الصندوق تعويض ضحايا الهجمات وعائلاتهم مقابل موافقتهم على عدم رفع دعاوى قضائية على شركات الطيران.

وكان متوسط الدفع من الصندوق 2.1 مليون دولار لكل شخص متوفى.

ووافق غالبية أهالي الضحايا على هذه المبادرة، لكن 95 عائلة فضلت اللجوء إلى التقاضي، وتمت تسوية مطالباتهم التأمينية بشكل سري.

ومن أشهر الحوادث سقوط طائرة “بان أميركان” فوق لوكربي باسكتلندا، في ديسمبر 1988، مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 259 شخصا و11 شخصا على الأرض.

وألقت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اللوم على عبد الباسط المقرحي، والأمين خليفة فهيمة. وسلمت ليبيا الرجلين في النهاية، ووافقت لاحقًا على دفع 2.7 مليار دولار لأسر الضحايا.

وأدين المقرحي بينما تمت تبرئة فهيمة. وتم إطلاق سراح المقرحي لأسباب طبية في عام 2009 وتوفي في عام 2012.

وفي ديسمبر 2022، سلمت السلطات الليبية أبو عجيلة مسعود، الذي صنع القنبلة التي فجرت الطائرة، إلى الولايات المتحدة.

وأثار الموضوع، حينها، جدلا واسعا واحتجاجات وانقساما شعبيا وسياسيا في ليبيا لأن ملف قضية لوكربي يفترض أنه أغلق قبل نحو 20 عاما عندما وافقت ليبيا على صرف تعويضات لأهالي الضحايا.

لكن الولايات المتحدة طمأنت الليبيين بأن تسليم المتهم هو تنفيذ لتعميم للشرطة الدولية، مؤكدة أن ملف لوكربي “أغلق تماما” بعد إجراء التسوية ودفع ليبيا التعويضات.

ومن المقرر أن يمثل للمحاكمة أمام محكمة فيدرالية أميركية، في مايو من العام المقبل، بتهم قتل عدة.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى