فوضى داخل الحكومة اليمنية تثير القلق على مصير المساعدة المالية السعودية

أصوات تشكك في قدرة حكومة بن مبارك على التصرّف في المساعدة المالية السعودية وتحذر من إهدار الفرصة التي أتاحتها لإنقاذ الوضع الاجتماعي.

تشهد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بقيادة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك حالة من الضعف والفوضى مثيرة للقلق بشأن قدرتها على إدارة المرحلة بالغة التعقيد اقتصاديا واجتماعيا.

ولاحت خلال الأيام الأخيرة فرصة للتخفيف من وقع الأزمة الاجتماعية الحادة الناتجة عن شحّ الموارد المالية وانهيار قيمة العملة المحلية وارتفاع أسعار المواد الأساسية بالتوازي مع عدم انتظام صرف رواتب الموظفين والعمال في مواعيدها الأصلية، وذلك مع الإعلان عن تقديم المملكة العربية السعودية مساعدة مالية مجزية للسلطة الشرعية اليمنية بقيمة نصف مليار دولار.

لكن ذلك لم يمنع من ظهور أصوات مشكّكة في قدرة حكومة بن مبارك على التصرّف في تلك المساعدة وحسن توظيفها، ومحذّرة من إهدار الفرصة التي أتاحتها لإنقاذ الوضع الاجتماعي الذي بات على حافّة الانهيار مهدّدا بتداعيات سياسية خطرة على تماسك الشرعية بحدّ ذاتها.

واستندت تلك الأصوات إلى ما يعتبره أصحابها حالة فوضى تهزّ الحكومة من الداخل وتقلّل من قدرة رئيسها على التحكّم في فريقه وضمان التنسيق والتجانس بين أعضائه.

ورأت مصادر سياسية في قيام مجلس القيادة الرئاسي بإقالة مسؤولين كبار في الحكومة دون تنسيق مع رئيسها مظهرا على أن الأخير بات في حكم من تجاوزته الأحداث.

وأوردت المصادر نفسها حالة الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية وما تشهده من صراع على رئاستها باعتبارها دليلا إضافيا على انفلات زمام الأمور من يد رئيس الحكومة.

وأصدر مجلس القيادة قرارا بإعفاء ثلاثة مسؤولين في جهاز رئاسة الوزراء من مناصبهم، بينهم مدير مكتب رئيس الوزراء وأمينه العام.

وجاء القرار وفقا لوثيقة صدوره في إطار “وضع المعالجات والحلول الجذرية للخلاف في جهاز رئاسة الوزراء.” وتمّ بحسب الوثيقة نفسها إعفاء كل من مدير مكتب رئيس الوزراء أنيس عوض باحارثة وإحالة ملفه إلى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ومساعد مدير مكتب رئيس الوزراء علي محمد النعيمي وإحالته إلى التحقيق لدى الجهات الأمنية في التهم المنسوبة إليه، فيما اكتُفي بإعفاء أمين عام مجلس الوزراء مطيع أحمد دماج من منصبه دون طلب التحقيق.

وكانت خلافات قد نشبت في وقت سابق بين باحارثة ودماج بشأن مسائل مالية وإدارية وتطورت إلى اشتباكات وعراك.

ولم يُستَشر بن مبارك في قرار الإقالات الذي استند فقط إلى تقرير لجنة تشكلت برئاسة عضو مجلس القيادة أبوزرعة المحرمي للنظر في الخلافات داخل مجلس الوزراء وإصدار توصيات بشأنها.

وأدى ذلك بحسب المصادر إلى عدم رضا رئيس الحكومة على القرار وتحفظ عضو مجلس القيادة عبدالله العليمي لكون ما اتّخذ بحق المسؤولين الثلاثة لم يستند سوى إلى توصيات عامة من أحد الأطراف بنيت وفق العليمي على ما تمّ تداوله في الإعلام ودون الاستماع إلى رأي طرف أساسي هو رئيس الوزراء.

وقال أحد المصادر إنّ طريقة اتّخاذ قرارات الإقالة تعكس بحدّ ذاتها تراجعا في ثقة مجلس القيادة ببن مبارك وقدرته على إدارة المؤسسات التنفيذية للشرعية.

وأشار إلى حالة الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية التي تشهد بدورها حالة فوضى ناتجة عن تكليف مديرين اثنين بإدارتها رغم أنّ المدير المشرف عليها لم يتنحّ من منصبه، ما جعل الصراع يصبح ثلاثي الأطراف.

وكان رئيس الوزراء قد كلف عبدالله الدمبي بإدارة الشركة الحكومية لكن المجلس الرئاسي اعترض على القرار لاحقا. وزاد من تعكير الوضع قيام وزير النفط والمعادن سعيد الشماسي بتعيين عادل شرف الحمادي مديرا للشركة ذاتها.

وعجزت الحكومة اليمنية ومن ورائها السلطة الشرعية ككل على مدى الأشهر الماضية عن إيجاد الحلول لقضية شحّ الموارد الناتج عن توقّف تصدير النفط بسبب تعرّض منافذ التصدير عبر البحر للقصف من قبل جماعة الحوثي.

واتخذت الأزمة الناتجة عن ذلك منحى تصاعديا محسوسا في الحياة اليومية لسكان المناطق التابعة للشرعية من خلال تراجع مستوى الخدمات العامة من صحة وتعليم وماء وكهرباء، فضلا عن ارتفاع الأسعار وعدم الانتظام في صرف الرواتب.

وفي ظل تلك الأوضاع برزت من جديد المساعدات الخارجية كحلّ وحيد للخروج من الأزمة التي أقلقت كثيرا الشريك الرئيسي للشرعية اليمنية المجلس الانتقالي الجنوبي الرافض لتحمل مسؤولية الفشل الحكومي في إدارة الشأن العام وتأثير ذلك على شعبيته في مناطق نفوذه، حيث بدأ السكان يعبّرون عن غضبهم واحتجاجهم عن طريق التظاهر في الشارع وشنّ الإضرابات عن العمل.

وأصبحت الآن بين يدي حكومة بن مبارك وديعة سعودية بقيمة 500 مليون دولار أعلنت الرياض قبل أيام عن إيداعها في حسابات البنك المركزي كجزء من دعم مالي خصصته المملكة للحكومة اليمنية.

وحال الإعلان عن تلك المساعدة ارتفعت الأصوات منادية بحسن التصرّف في المبلغ وحمايته من الهدر لكونه يمثّل فرصة نادرة لوقف التدهور الاقتصادي والاجتماعي المنذر بالانفجار.

وقال بن مبارك إن هذا الدعم السعودي سيمكن حكومته من دفع رواتب موظفي الدولة وإيقاف التدهور في سعر العملة، كما سيمكنها من المضي بإصرار في برنامج الإصلاح المالي والإداري ومكافحة الفساد.

ومن جهته ذكر مسؤول رفيع في البنك أنّ هذا الدعم المالي جاء في وقت حرج، مشيرا إلى أن أهميته تكمن في تمكين البنك من الحفاظ على استقرار سعر صرف العملة والتحكم في معدلات التضخم والاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الهامة والضرورية وتوفير الوقود لمحطات توليد الكهرباء.

كما لفت إلى أن المبلغ سيساعد أيضا على تعويض جزء من النقص الكبير في إيرادات الحكومة التي تكبدت خسائر تفوق الملياري دولار خلال عامين منذ توقف تصدير النفط الخام بعد هجمات الحوثيين على موانئ التصدير في جنوب البلاد وشرقها وتراجع الإيرادات المحلية غير النفطية ونفاد احتياطات البنك المركزي من النقد الأجنبي.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى